إقتصاديات التجميل .. أم التقبيح

تعيش الأمم والشعوب بين ازمنة وعصور ، وسلوكيات وسياسات ، واصبح مركّب التطور بلا وعي والنقل عبر ادوات السوشيال تربط أجزاء من العالم ومن الفئات متذبذبة الدخل والانفاق ، كما تدخل على الكثير من الشعوب متغيرات و ممارسات تبدو بسيطة لكن سرعان ما تتفاقم لتتحول إلى ظواهر ، هذه الظواهر متعددة الآثار سواءً من الناحية الإقتصادية أو السلوكية او الإجتماعية أو الصحية ، وهنا سأستعرض معكم في هذا المقال ” ظاهرة التجميل” وفي تصوري ان الشارع المصري كله بجميع طوائفه وفئاته يرصدون هذه الظاهرة و يتأثرون تأثيرات سلبية لا حدود ولا حصر لها بسببها ، لقد إنحدر الذوق العام وبات جمال المرأة الطبيعي مندثراً وتقدمت عليه كل أنواع المكونات الصناعية ” أظافر ، رموش ، عيون ، عدسات ، كريمات ، مراهم ، شعر وصبغات شعر ،وشم ، مساحيق ، ادوية وعقاقير ، مواد راتنجية ومطاطية للحقن ،، في الحقيقة تفحلت هذه الظاهرة مؤخراً وعكست على الجميع من العين المجردة ان الوجوه كلها باتت متشابهة وان الجمال اندثر وحل محله القُبح بجدارة وتاهت الفكرة وتفككت العبارة في ظاهرة لم يكن لها جذور في الشارع المصري ، وبعيداً عن حالة القبح المكتسبة ، تعالوا استعرض معكم الآثار الإقتصادية والطبية وفقاً لقراءاتي في العديد من النشرات والأبحاث ،، هل يتخيل احداً ان جمهورية مصر العربية يصل فيها إقتصاد التجميل سواءً من أدوات او معدات أو عمليات او أجور إلى أكثر من مليار وربع المليار دولار سنوياً ، هذا الحجم كفيل بان يقيم مائة مستشفى فئة ١٥٠ سرير علاج متكامل ويكفون لعلاج نصف مليون مواطن ” أنها نفقات تجميل في عام واحد فقط” !! لك ان تتخيل أن أكثر من ٨٠٪؜ من هذا النشاط الإقتصادي غير مسجل و غير رسمي،، “مقدم الخدمة ومتلقي الخدمة ” كلاهما متستر ويرغب في التستر، ، وما بين مواد تجميل محلية الصنع غير مسجلة وغير مرخصة وغير مصنفة” تحت السلم” وبين أجهزة وآلات ومعدات مجهولة الهوية وبين مواد وادوات تجميل مهرّبة ، وبين عمالة غير مؤهلة او معتمدة صحياً ولا تستخدم ادوات معقمة او معلومة المصدر،، كذلك ظهرت مهن دخيلة ” الميكب آرتيست” واصبحوا الان كلهم من المؤهلات ، واصبح سوق العمل ممتلئا بالفقاقيع ، فالخيار بات محصوراً بين ٤-٥ وظائف يتقدمهم ..” البلوجرز – ميكب ارتيست – مسوقة عقارية” والثلاثة يعتبروا طريقاً للغنى الفاحش السريع والطريق للهاوية ،وطريق سريع للإنحراف وأصبحت الباحثة عن عمل تقليدي محترم مهني وفق هيكل اجور ورواتب متوسط سوق العمل الطبيعي كانها في هوة بين السماء والأرض.
إن مثل هذه الظواهر الدخيلة التي لا قانون ولا تشريع لها ولا ضابط ولا رابط ، اثرت حتى في البُعد الأكاديمي في مهنة الإنسانية وربطها بسوق العمل ، الأقسام كانت حتى اوائل ٢٠٠٠ ، جلدية وتجميل وكان الطب والسوق يعمل ٨٥٪؜ جلدية وتناسلية وعقم وعدد لا يزيد من الحالات والأطباء عن ١٥٪؜ تجميل، أما الآن فانقلبت الآية وأصبحت المعادلة معكوسة تماما ، تبحث عن دكتور جلدية في سلاقط الأرض ، لأن البلد تتحدث تجميل وطبيب التجميل الآن يعتبر في نظر الكثيرين أفضل وأهم من طبيب القلب ، وبالقطع ليس هذا بغريبا على مجتمعات تبيع الحذاء في صالات عرض زجاجية مغلفة وتبيع الخبز مكشوفاً على الأرصفة.
إن الأثر الصحي التراكمي طويل المدى لإستخدام هذه المواد المصنعة بطرق غير معلومة الاّ من رحم ربي ، وكذا جرعات الإستخدام من غير المتخصصين كفيلة بأن تكون هي النواة الأساسية لسرطان الجلد والوجه والفك وتساقط الشعر وإحداث اضطرابات هرمونية ولعل البشائر توحي بذلك ولو اعتبرت نفسي وذهبت بالتحليل وعدت لكم من المستقبل فسوف اخبركم ان العواقب الصحية جراء هذه الظاهرة عواقب وخيمة وليس كل من يمتهن مثل هذا الأعمال على دراية تامة بكيفية تلافي وعلاج الآثار الجانبية التي قد تنتج بعد الإستخدام،،، هنا السؤال ؟ هل يمكن ان نفتح ملف هام وخطير مثل هذا للنقاش والحوار من اجل التنظيم والترشيد واعادة توظيف السلوك البشري لخدمة الحياة الإقتصادية والإجتماعية والصحية ، ام ان رجال الشرق الأوسط سيكونوا اول الرافضين لأنهم سعداء بهذا الإرهاق البصري والتلوث العقلي والإفلاس الجسدي ، وفراغ الجيوب الا ان الحياة اخذتنا رجالاً ونساءً واجيالاً قادمة إلى هذا الملف الخطير وإلى الهاوية !! تعالوا نعيده تجميلاً وجمالاً طبيعياً كما كانت امهاتنا وجِداتنا ،تعالوا نستمتع بخلق وخليقة الله تبارك وتعالي ، ولا نتنازل ونترك أنفسنا للظواهر والملذات الزائفة قبل فوات الآوان.