“العناية .. المركزة”

اتصور ان جزء كبير جداً من حياتنا لابد ان يحمل ابعاداً كبيرة وجوانب تحتاج إلى الإهتمام بعيداً عن الصورة الذهنية التقليدية المأخوذة عن ” العناية .. المركزة” والمحفورة في ذاكرة الشارع المصري بأنها تلك الغرفة التي يدخلها المرضى في أوقات عصيبة ويحتاجون فيها إلى الرعاية الطبية الحرجة ” وهذا القصور في التعاطي لفكرة العناية والرعاية قد ادى إلى
الكثير من التقصير والإهمال الذي أثر على مجريات أمور كثيرة مما أدى إلى نتائج غير جيدة في اقتصاديات الحياة .
وقد يتبادر إلى ذهن الكثيرين بمجرد قراءة عنوان هذا المقال ، ما علاقة ” العناية .. المركزة” بالاقتصاد ، وهنا كان لزاماً عليّ كما عودتكم ان اذهب بالقارئ والمتابع لي إلى المؤثرات غير المباشرة في مفهوم الحياة الإقتصادية الشاملة وانعكاساتها على تحسين مستويات المعيشة اثناء دورة الحياة سواءً في الطفولة او في ريعان الشباب وصولاً للشيخوخة في منظومة “عناية .. مركزة” كاملة وطواعية قبل الذهاب إلى غرف “العناية .. المركزة ” بمفهومها الصريح التقليدي والذي يكلف الجميع فواتير باهظة في قطاع الصحة العامة.
تعالوا .. نتساءل عن مفهوم الإهتمام بالطفل والعناية المركزة بتثقيف الأطفال واتباع صحيح لمفاهيم تعاليم الأخلاقيات والقيم والأديان ومبادئ الصحة العامة ، وهذا النوع من ” العناية المركزة ” لا يتطلب تكاليف باهظة ، ولعلنا مثلا نتعلم ونعرف ان العناية المركزة بغذاء الأطفال ليست مكلفة كما يتصور البعض ، وان سوء التغذية ليس نقص الغذاء ،وانما هو التغذية الخاطئة دون عناية مركزة فائقة من باب ثقافة الغذاء !
إن الإهتمام بالصحة العامة وتطبيق مبادئها ، وزرع ثقافة ممارسة الرياضة كالتمارين البسيطة التي يمكن ممارستها في المنازل ، او رياضة المشي غير المكلفة مع تدريب وتعويد النفس على العمل في ظروف متوازنة بعيداً عن الضغوط ، ومحاولة العمل على إيجاد برامج ذاتية للإستمتاع بالحياة ، حتى بأبسط الأشياء ، الخروج من التفكير المُعقّد واخراج النفس من دوائر الأحيان وتهذيب خلايا الرغبة في الاستحواذ اللانهائي وحب الإمتلاك اللامحدود والسيطرة عليها حتى لا تشكل ضغوطا متلاحقة مركبة على ميزانيات الأفراد الأمر الذي يُخرجك من منظومة ” العناية المركزة ” لدى الأصحاء لينقلك إلى منظومة ” العناية المركزة” في مربع المرضى والذي لا نملك لهم ولا يملكون لأنفسهم سوى الدعاء،
لا يمكن ان يُنكر أحداً عاقلاً ان السوشيال ميديا والعديد من نشرات الحزن والتعازي وأخبار الحوادث ومشاهدات الإنفلات كلها عوامل وعناصر تضغط على نفسك وتحرمك من الإستمتاع بالوقت بعيداً عن التلوث الإلكتروني الذي يُرهق الذهن ويأجج المشاعر ويضغط على الأعصاب ليهدم كل اُطر العناية المركزة التي يحتاجها عقلك وجسدك ،، ولا أدري هل من المنطق اذا كنت ممن يريدون ان يعيشوا مستمتعون في عناية مركزة دائمة ان تشغل نفسك على مدار الساعة ب “ترامب” الرئيس الامريكي وسياسته ومناقشة كل تصريحاته وانت تدخن عشرات العبوات من السجائر والآلاف من فناجين القهوة وانت لست سياسياً ولا تعمل في حقل السياسة لا التنفيذية ولا التشريعية وليس لديك كل المعلومات ولا مطلوب منك إتخاذ القرار ، صحيح التثقيف مطلوب لكن أيضاً لا تدع الثقافة الذاتية في بعض المجالات ان تأخذك لتنقلك لمربعات ” العناية المركزة” مع المرضى وانت في ريعان شبابك!!
خلاصة القول ان برامج العناية المركزة الذاتية والشخصية هي ثقافات لمجموعة من المفاهيم الإقتصادية والسياسية والدينية والأخلاقية والإجتماعية تجعلك متمكن من وضع كافة الأمور في نصابها والبُعد عن المهاترات والحفاظ على المستوى العام لحياتك بشكل تضمن فيه أن تعيش الحياة بإستمتاع وبساطة وبغير اي تكلف او ضغوط وان تدرب نفسك على حالة الرضا التام ، وتنظر للعناية بعملك وانتاجك الذي يضمن لك الحد الجيد من ممارسة حياة جيدة على ان هذا هو الإعتناء والعناية بأسلوب الحياة السليم ، وبالعناية بذاتك وبامورك الشخصية والعامة والعملية تستطيع ان تعيش بعناية مركزة وتبتعد وتلغي من قاموسك “العناية المركزة” بشكلها التقليدي وإن هذا يؤثر بشكل غير مباشر في مفهوم الوقاية العلاجية الذي اذا تم اتباعه فإننا سنوفر ٣٠٪؜ من موازنات الطب العلاجي او الإكلينيكي سنوياً،، وفي النهاية اقول لنفسي ولكم: عيشوا بعناية مركزة ذاتية وإبتعدوا عن “العناية المركزة” الإضطرارية.